الأربعاء، 18 أكتوبر 2023

 

كلمة تأبين المشمول بعفو الله الحاج البصري

 المدني بن الطيب بن العربي الدرعي




  أيها السادة الأفاضل أحباء المرحوم وأخلاؤه

         نقف في هذا اليوم المبارك  26 ماي 2023 بعد صلاة الجمعة أمام باب من أبواب الرحمان لنشيع إلى رحمته رجلا من رجالات درعة الخير، وأحد أعمدة التربية والتعليم بزاكورة على امتداد عقود أربعة، المشمول بعفو الله ورحمته الحاج البصري المدني. هذا الرجل الذي لا يذكر قطاع التربية والتعليم في مدينة زاكورة بعد الاستقلال، إلا وتستحضر ذاكرة جيل بأكمله دوره التربوي والإداري في بناء أسس المدرسة المغربية في هذه المنطقة. فقد كان المدرّس والمسير والمدبر لهذا القطاع على امتداد العقود الأولى لجيل الاستقلال، فساهم في تكوين أجيال من أبناء هذا الوادي ممن شغلوا مواقع مهمة في جل قطاعات الوظيفة العمومية. والجم الغفير من الحاضرين في جنازته اليوم ثلة قليلة ممن عاصروا وعاينوا أثر الحاج البصري على الأرض على امتداد مساره المهني، ولا أشك في أن الأحاديث والذكر بعد انتشار خبر التحاقه بربه، كانت تلهج بأياديه البيضاء على كل تلامذة درعة ورجال تعليم درعة.

         فقد مارس التعليم في خمسينيات القرن العشرين فكان مآله التوقيف عن العمل من قبل أحد رجالات الاستعمار الفرنسي لالتباس اسمه باسم أحد رواد الحركة الوطنية، فالتحق بسلك العدول لفترة وجيزة، لكنه لم يجد فيه ما يرضي ذاته، فالتحق مرة ثانية بالتعليم بلقب آخر، وتحمل مسؤولية التسيير والتفتيش سنين عددا. قبل أن ترغمه أنفته وكرامته في ظروف وطنية خاصة جدا على الانتقال إلى أولاد تايمة، ثم إلى ورزازات التي ظل بها مديرا حتى بلوغ سن التقاعد.

      وأتساءل اليوم، وأنا أعلم علم اليقين اهتمام أهل درعة بماضي الوادي، لم لا تفكر مدرسة الشريف العلوي التي مرت بها أجيال وأجيال من التلاميذ والمعلمين والمسؤولين الإداريين أن تدون ذاكرتها، وتؤرخ لرجالاتها الذين مروا من هناك، وتركوا آثارا تدل عليهم اعترافا لهم بالجميل الذي لن ينسى، وحفظا لذاكرة سرعان ما يمحوها الزمن إذا لم تقيدها الكتابة. لم لا يفكر مسؤولوها وقدماؤها من المعلمين والأساتذة في أن يضعوا شجرة معلميها ومديريها لتكون نبراسا مضيئا للأجيال اللاحقة من فلذات أكبادنا. فهذه المدرسة ليست كباقي مدارس المنطقة، فقد ارتبطت ذاكرة زاكورة بذاكرتها. فإذا فكر مسؤولوها في ذلك، فسيكون الحاج البصري المدني بلا شك واسطة عقدها، ومنارة من مناراتها التي أضاءت بنورها الأجيال تلو الأجيال. 

     ولم تكن العلاقة بين الحاج البصري المدني وبين درعة الخير محصورة في مسؤولياته المهنية فحسب، بل ارتبط بها ارتباط الابن بأمه فلا يفارقها إلا ويحن إليها، ولا يغترب عنها إلا ويشتاق إلى العودة إليها، ولا يحضر مجلسا من مجالس أخلائه وأحبائه من أهل درعة إلا ويلهج بعاداتها وتقاليدها وأعرافها وتاريخها وثقافتها، وأيامها ورجالاتها الذين ساهموا في بنائها. وبوداعه ودعنا معه ذاكرة حية من تاريخ درعة المعاصر، وشاهدا حيا على أحداثها وتاريخها، بل ومكتبة شفوية من ثقافتها. ويحز في النفس أن تطمس هذه الذاكرة كما طمست قبلها أخريات عدة.

   وإذا كانت للمشمول بعفو الله ورحمته من ميزة تميزه فهي قدرته على الحوار والجدل والإقناع والاقتناع من غير تعصب متسلحا بقلب واسع، وعقل راجح، وخبرة صقلتها التجربة، لا مع جيله فحسب، بل مع كل الأجيال اللاحقة، فهو شديد الارتباط بأبناء جيله يحاورهم ويجادلهم ويجالسهم، ويتنفس الهواء بهم، فهم له كالماء للسمكة،  لكنه شديد الارتباط أيضا بالأجيال اللاحقة، يحسن الإصغاء إليهم ، والحوار معهم في غير تعصب لذاكرة الماضي الذي يمثلها، وفي انفتاح  واع على الحاضر والمستقبل، فقاوم المرض والشيخوخة وانتصر على اليأس الذي لم يجد منفذا  إلى عقله وقلبه،  فعاش حياته كلها حتى آخر يوم من عمره متفائلا بالغد، محبا للحياة متمسكا بها ، فاعلا فيها برأيه وفكره بعد أن خذلته صحته.

      وتشاء الأقدار الربانية أن يغادر درعة مثل كل أبنائها دون أن ينساها لحظة واحدة. ففي الأيام القليلة الماضية قبل وفاته رحمه الله،كان يمني النفس أن يسترجع صحته، ويزورها ليجالس أحباءه وأصدقاءه الذين لم نخبره قط بأنهم التحقوا قبله بالرفيق الأعلى، فكان يسأل عن أخبارهم، ويكثر من الحديث عنهم، ونرفع اليوم أكف الضراعة إلى العلي القدير أن يجمع بينهم في جنته، ويشملهم برحمته، إنه هو الغفور الرحيم.

     اللهمّ اجزهم جميعا عن الإحسان إحسانًا، وعن الأخطاء عفوًا وغفرانًا، اللهمّ إنّ معلمنا وأستاذنا ومديرنا وكبير عائلتنا نَزَل بك وهو فقير إلى رحمتك، فاستقبله بمغفرتك ورضاك، وتقبل أعماله الصالحة التي أحصيتها ونسيها، بما تقبلت به أعمال الصالحين من عبادك، واحمه تحت الأرض، واستره يوم العرض، ولا تخزه يوم يبعثون "يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم.

      اللهم كما كنت به رحمانا في الدنيا، فأصلحت له أبناءه، وسخرتهم جميعا لخدمته، فخفضوا له جناح الذل فلم يتأففوا في سرهم وعلانيتهم من شطحات كبره، وحملوه على أكف الراحة حنى شيعوه إليك آمنا مطمئنا، فكن به رحيما في الآخرة، فقد ودعنا وهو يحسن الظن بك، ويطمع في رحمتك فلا تخيب ظنه فيك، فأنت الغفور وأنت الرحيم. اللهم أنزله منزلًا مباركًا، مع الشهداء والصديقين، وحسن أولئك رفيقًا.

      اللهمّ آنسه في وحدته، وفي غربته. واملأ قبره بالرّضا، والنّور، والفسحة، والسّرور. واجعل نفسه آمنةً مطمئنّةً، راضية مرضية وخاطبها بقولك وقولك الحق: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، وادخلي في عبادي وادخلي جنتي." صدق الله العظيم.

                                                       علي بن البشير المتقي

السبت، 19 فبراير 2022

الفقيه علي بن محمد التامكروتي ونفحته المسكية

 

ا                               

                                        

         تمهيد: كانت بلاد درعة الوسطى في القرن العاشر بلاد علم ومجمع علماء وفقهاء. وانتشار الزوايا على امتداد الوادي أثر دال على هذه الظاهرة، إلا أن هذا الانتشار لم يحقق تراكما علميا ومعرفيا في القرون الموالية، مما يدفعنا إلى التساؤل: أين أثر القرن العاشر في ما بعده، ولماذا اضمحل العلم وقل العلماء بعد هذا القرن؟

       يرجع الباحثون السبب الرئيس في ذلك إلى توالي الأوبئة التي أبادت الكثير من الناس، وإلى الهجرات المتوالية التي فرضتها الظروف المناخية، إذ لم يكن وادي درعة واديا دائم الاخضرار، فقد توالت عليه فترات جفاف قاتلة عصفت بالأخضر واليابس، مما دفع بالكثير من رجالاته وعلمائه إلى الهجرة منه كما جاؤوا إليه في فترات اخضراره.

الأربعاء، 9 فبراير 2022

التعايش السلمي بين الأديان في الشعر الحديث

 


 

                    د. علي المتقي

تمهيد

       التعايش السلمي بين بني البشر بمختلف أجناسهم وعقائدهم قديم قدم البشرية، فمنذ أن وجد الإنسان وجد معه غيره من بني جنسه، هذا الآخر الذي قد يختلف عنه في الجنس أو الدين أو القيم والأعراف... فكان لا بد من أحد أمرين: إما أن يجعلا من الاختلاف جوهر وجودهما وأساسه، فيتقاتلان ويتصارعان ويبيد الواحد منهما الآخر من أجل أن يثبت وجوده، وإما أن يجعلا من المشترك بينهما أساس وجودهما فيتعايشان ويقبلان باختلافهما. وقد عاش الإنسان الأمرين معا، فصارع بعضه في فترات من التاريخ، وعايش بعضه الآخر في فترات أخرى، لكن الحرب لا تستمر إلى ما لا نهاية، فقد تنتهي مهما طال أمدها بالصلح وعقد المعاهدات ووضع القوانين التي تضمن لكل منهما حق العيش في أمن وأمان. ولعل هذا التعايش هو قيمة من قيم الإنسان الغريزية، فهو اجتماعي بطبعه، ويتحكم في هذه الغريزة بعقله الذي يميل إلى السلم والتساكن والتعايش.

الأحد، 16 يناير 2022

كلمة في حق ذ. مولاي المامون المريني بمناسبة تكريمه يوم الخميس 23-12-2021 علي المتقي

أيتها الشاهدات أيها الشهود:

صدق الشاعر الذي نصحني بقوله:

       نصحتُكَ لا تصحَبْ سِوى كُلِّ فاضِل   *   خَليقِ    السّجايا   بالتَّعفُّف والظَّرفِ

       ولا تَعتمِدْ    غيرَ   الكِرامِ    فواحِــــــــــــدٌ   *   منَ النّاسِ إنْ حصَّلْتَ خَيرٌ منَ الألفِ

    وأنا ألهث وراء غدي، وأسافر عبر ذبذبات الزمن بين أوصال محطات حياتي، وضع القدر في طريقي واحدا اعتقدت أنه الأفضل من الألف، هذا الواحد هو هذا الذي تشهدون له اليوم أمام الملأ، فتصفونه بالزميل والصديق والخل الوفي مولاي المامون المريني.

     وبين محطة الأمس ومحطة اليوم ما يزيد عن عشرين سنة ذقنا فيها ما ذقنا من فواكه الزمان حلوها ومرها، وها أنتم اليوم تطْلبون مني أن أكون من الشاهدين. والشهادة لا تكتم، "وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ"، وحتى لا أكون من هؤلاء الآثمةِ قلوبُهم، قررت أن أعطل عقلي وفكري وأمنح زمام لساني لقلبي ودمي، وأستسلم لذاكرة تبوح بما ترسخ فيها على مر الأعوام، لأن ما تأتي به عقولنا قد يكون آثما، وما تأتي به دماؤنا لا يكون إلا حقا، فالصدق مصباح يضيء شرايين الدماء فلا تخطئ مواطن اليقين في دهاليز القلوب.

         وأنا أتجول في أزقة الحي باحثا، قادتني إليه ضالةُ بحثي صدفةً دون سابق معرفة، توسمت في ملامحه خيرا،...

نظرة،،،

فتحية،،،

   فابتسامة،،،

فلقاءات أمست عادة تتكرر كل مساء لتنسج علاقة صداقة بين أثافي ثلاثة لا يستقيم قدرنا فوق اثنتين منها.

        أتأمل الآن هذه اللقاءات، كفراشات تتسابق نحو ضوء الذاكرة،،، تتلون بأحزاننا وأفراحنا. تحت ألوانها نصبتُ خيمة ألوذ بها كلما اشتد حر الهاجرة،،، على جنباتها عين ماء لا تنضب، وشجيرات نخيل تسّاقط علي دون أن أهزها رطبا جنيا.

       نمتطي مطايا القافلة نفسها لعقدين من الزمن، ننفخ معا في مزاميرها اللحن نفسه. نستظل بشجيرات الحب والصدق والوفاء التي زرعناها سويا في تربة المعرفة، فأينعتْ وأزهرت ثم أثمرت. كنتَ أنت أيها الصلبُ العنيد المبين جدعَها المتين، وكنتُ وريقة تبدو من بعيد خضراء يانعة تهزها الريح كلما هبت شرقيةً، فأجد في فروع الجدع الذي كنتَه وأغصانِه المتفرعة عنها مخبأ يحميني من صقيع شتائها، وظلا ظليلا يرد عني شواظ صيفها،... فكانت خطانا على امتداد الزمن العنيد جداول صافية يُسمع لحصاها رنينٌ نستلذه تارة، وتارة يكون لها أنين.... فتكون أنت أنت بلسمَ جرحِه ....فيتحول الأنين إلى حنين.  

       تبا لك أيها الكلام العاجز عن ترجمة ما تحمله القلوب من عواطف نبيله،.... تبا لك أيها اللسان العاجز عن النطق بالكلمات المستحيله،...... تبا لك إن لم ترم بعيّك، ...وتتسلل عبر شرايين القلب إلى مواطن الصدق.... لتترجم صليل الجداول ،،،  رقص السنابل ،،، غناء البلابل،،، إلى كلمات،.... تسترق السمع من الذكريات،،، فتبوح بها بجميع اللغات.،،، 

    أيها الصديق الذي كنتَ،.... ماذا تبقى عندك الآنَ،.... مما كانَ.... أما أنا.... أما أنا.... فأُشهد هؤلاء الأنام، أنك ستَظلُّ خلاًّ في ما بقي من ساعات أو أيام أو أعوام، أيهذا الشريف ....أيهذا الصديق.... أيُّهذا البريقُ الذي يلازم الغمام، هل تسمح لي بالكلام ؟....، لأقول في جملة ما لا تقوله المتون الطوال.

     أحذر من الكثير من الناس، وأنت من بين الذين أطمئن إليهم، فالبحث عنك رغبة،... والمجيئ إليك متعة،.... ولقاؤك ولوج في مراسيم المجيء إلى الصدق والحب والوفاء.

         منحتني، ونحن في منتصف العمر، في قلبك ملجأ، ومن روحك مطرحا. ونحن في الربع الأخير منه "خذني - كما شئتَ - جلي أو كلي..... فإن لم أقف الآن بقربك،.... فبئس الرديف أنا لظلك"..... فقد كنتَ وما زلتَ... ظلا في صحراء ، لا ظل فيها إلا ظلك ، أستظل به حين تغيب الظلال.

      لستُ شاعرا شيطانه ذكر يهيم في كل واد،..... لا ولا صاحب مصلحة له ألف قناع وقناع ما بين البياض والسواد...، أنا رجل جاء من اقصى هذا البلد الأمين ساعيا، ومن جاء من أقصى المدينة يسعى حقا لا يقول إلا صدقا. لقد وجدت فيك الزميل الصديق الرفيق الصبور السموح الصبوح. ولا غرو، فأنت اسم الفاعل والمفعول من الأمن، فأنت الأمين والمأمون. وكفى.  

السبت، 28 يوليو 2018

سلاما يا ثالث الأثافي سلاما : كلمة تأبين الأستاذ عبد الحي العباس



                        


        كان الوقت أصيلانا  ...الشمس تلتحف حمرتها ، تعالت الهواتف بالتنادي: نادى الحي عبده فلبى النداء. قلت: لا يملك المولى الطائع إلا أن يلبي نداء مولاه. فاض المساء بصمت الرسائل البكم، وعويل الهواتف الشؤم .. العباس مات ... العباس مات ... 



الأحد، 20 مايو 2018

مات المؤرخ .... فمن يؤرخ لوفاته.



                        
          كان الوقت صياما حينما توقف الزمن في درعة ليؤرخ لمصاب جلل تمدد معه الحزن ليغطي خضرة النخيل. انتظرنا طويلا  من ينقش على الصخور، ويسجل على سعف النخيل وفاة أحد باحثي درعة كرس حياته بحثا وتنقيبا، وجمعا وتدوينا لأحداث جسام ملأت الدنيا وشغلت الأهالي قرونا عددا. اشتغل الناس بتبادل التعازي كعادتهم على إثر كل مصاب جلل. تساءلت أين المؤرخ ليؤرخ ما وقع و ما يقع، ما قيل و ما يقال؟ قيل لي: ألا تدري ...؟  مات المؤرخ ، فانكسر القلم و جفت الدواة، ولم تعد الكتابة قيدا لما تدروه نسمات جلسات المساء.

السبت، 19 مايو 2018

قراءة في قصيدة القدس لأحمد المجاطي



                  



          يتميز ديوان الفروسية للشاعر أحمد المجاطي بوصفه ديوان شعر المدينة بامتياز. فقد أثثته مدن الدار البيضاء وسبتة والرباط و ورزازات وطنجة ووهران والقدس ودمشق وصنعاء ومكة وفاس...ولم يكن ذلك عبثا أو صدفة، فقد كانت المدينة العربية في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته فضاء للحركات الاحتجاجية الاجتماعية والسياسية التي قادها اليسار العربي الذي ينتمي إليه الشاعر ويتنفس داخله. وكانت مدينة القدس مركز الصراع العربي الإسرائيلي الحاضرة في كل هذه الاحتجاجات، منها تبدأ وإليها تنتهي. وكانت المدينة موضوع الكثير من نصوص  الشعراء  المعاصرين أمثال عبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور وعبدالمعطي حجازي ... وفي الوقت الذي كان فيه هؤلاء الشعراء الذين جاؤوا من القرية يرون في المدينة مكانا لفقدان إنسانية الإنسان وقيمه البدوية الأصيلة، كان المجاطي يرى في المدينة فضاء للتحرر والثورة. ومن قصائد هذا الديوان قصيدة القدس التي نقترج لها هذه القراءة:

الأحد، 8 أبريل 2018

تجربة محمد بصراوي الشعرية في ديوان : قصة منسية


                                  
     


تجربة محمد بصراوي الشعرية تجربة غنية بآمالها و آلامها، يتداخل فيها الذاتي الفرداني بالوطني والقومي والإنساني. إنها معادل موضوعي لتجربة حياة شاعر عاش العقود الثلاثة الأخيرة من الألفية الثانية بآمالها العريضة الذي كان يبشر بها اليسار العربي و آلامها الناتجة عن الكبوات الوطنية والقومية المتتالية. لذا جاءت قصائد الديوان تعبيرا عن محطات من هذه الحياة في تفاعلها مع ذات الشاعر.

الأربعاء، 4 أبريل 2018

الأحد، 4 مارس 2018

قراءة في قصيدة الشاعر المغربي محمد بنطلحة . "أنا، سليل الهمج "




في مقبرة ولدت
وفي حانة أموت
حكيم كالرماد
وحيثما حللت، كألوان الطيف
لا أستريح
أتجدد
صبرا علي
هنيهة وأخرق ما أريد:
قبالة شواطئ اللغة، ناقلة بترول
تحت أجفان العائلة، رداء الغطس
وتحت أجفاني، معاهدة شنغن
وقانون الصحافة
ماذا سأخسر؟
كائن هيروغليفي، أنا
في أوقات الفراغ
أبيع الخمور
للموتى
وفي أوقات الشدة
أقول للحضارة:
لست أمي
لهذا أيضا
أغامر
وأسرق التعويذة
من تحت رأس كل مومياء
وجدتها في طريقي
how many roads...
how many seas..
.
أوف
أنا من هرقت فوق الأرض
قارورة المعنى
أحب الهندسة
ولا أحب الحساب
عندي،
يوم الحساب مضى
ولن يعود
ليس لي email
هدبي حمام زاجل
وكل رسائلي تنتهي بالعبارة التالية:
حتى
بعد كل هذه الهزائم
أنا هو المنتصر

الخميس، 28 ديسمبر 2017

كلمة ألقيتها في حفل تكريمي بكلية اللغة العربية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية








بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على من أرسل رحمة للعالمين، 
      السادة الأفاضل: أبى مجموعة من الزملاء الأعزاء إلا أن يضعوني في دائرة الضوء في هذا اليوم الأغر، يوم الاحتفال باللغة العربية. وأبيتم بحضوركم  إلا أن تزكوا هذا الاقتراح وتباركوه بحضوركم. وهي مناسبة ألزمتني أن أتوقف قليلا لأنظر في المرآة لأتأمل خمسة عقود ونيف من حياتي، و ثلاثة عقود ونيف من التحاقي بسلك التعليم. تأملت وجهي طويلا، في صوره المتعددة من الطفولة إلى الكهولة، وتخيلت نفسي واقفا أمام الله عز وجل يحاسبني على كل صغيرة وكبيرة، فكان أول شيء زرع الخوف في قلبي هو أنني أحمل لقبا أخاف ألا أستحق حمله لقب "المتقي"، فهل في حياتي ما يجعلني أستحق هذا اللقب؟ التفتت يمنة ويسرة، فوجدت حشدا كبيرا من الناس من مختلف الأعمار، تفرست في وجوههم،رأيتها مبتسمة مستبشرة برؤيتي، فيهم من أعرفه، وفيهم من يعرفني ولا أعرفه. أحسنت الظن بهم، فقلت بصوت مضطرب: يا رب رضيت بهؤلاء شهودا، فقالوا بصوت واحد: يارب ارحم ضعفه، واغفر ذنبه، فقلوبنا تحدثنا أنه من الصادقين.

الجمعة، 18 أغسطس 2017

أشواق درعية أخرى



      زرت درعة في السنوات الأخيرة بعد غياب  قارب نصف قرن من الزمن متشوقا إلى ظل ظليل تفيأته في حقول قطوفها دانية، وماء عذب زلال رشفته من آبار عيونها جارية، وعشب  أخضر رعيته في بطحاء أطرافها مترامية، وسمفونية أصوات تنشدها طيور صداحة، وحشرات طنانة، ما زال يتمثلها ذهني، فأصغي لها سمعي،  ويخشع لها قلبي، وأتراب يتسامرون  في دروب  تتكيف حرارتها مع أحوال الطقس المتقلبة.

الاثنين، 26 يونيو 2017

قناع المتداول المألوف و عري الاستعاره: قراءة في قصيدة زهور لأمل دنقل

1 وسلالٌ منَ الورِد,
2 ألمحُها بينَ إغفاءةٍ وإفاقه
3 وعلى كلِّ باقه
4 اسمُ حامِلِها في بِطاقه
        ***
5 تَتَحدثُ لي الزَهراتُ الجميلهْ
6 أن أَعيُنَها اتَّسَعَتْ - دهشةً -
7 لحظةَ القَطْف,
8 لحظةَ القَصْف,
9 لحظة إعدامها في الخميلهْ!
10 تَتَحدثُ لي..
11 أَنها سَقَطتْ منْ على عرشِها في البسَاتين
12 ثم أَفَاقَتْ على عَرْضِها في زُجاجِ الدكاكينِ, أو بينَ أيدي المُنادين,
13 حتى اشترَتْها اليدُ المتَفضِّلةُ العابِرهْ
14 تَتَحدثُ لي..
15 كيف جاءتْ إليّ..
16 (وأحزانُها الملَكيةُ ترفع أعناقَها الخضْرَ)
17 كي تَتَمني ليَ العُمرَ!
18 وهي تجودُ بأنفاسِها الآخرهْ!!
       ***
19 كلُّ باقهْ..
20 بينَ إغماءة وإفاقهْ
21 تتنفسُ مِثلِىَ - بالكادِ - ثانيةً.. ثانيهْ
22 وعلى صدرِها حمَلتْ - راضيهْ...
23 اسمَ قاتِلها في بطاقهْ!

قراءة في كتاب الحجاج في الخطاب


                                     

      عبد اللطيف عادل  من الأساتذة الباحثين الشباب الذين استطاعوا شق طريقهم في البحث العلمي بثبات، وبناء مشروع علمي حجاجي يتغيا توظيف التراكم الحجاجي النظري في المدونات الغربية القديمة و المدونات العربية والدراسات الغربية المعاصرة في قراءة الخطاب العربي قديمه وحديثه. وقد كان لي شرف المشاركة في مناقشة عمله الأول الذي أنجزه تحت إشراف الزميل العزيز الدكتور عبد الواحد بنياسر منذ ما يزيد عن عقد من الزمن. والعمل الذي نحن بصدد تقديمه اليوم هو استمرارية لهذا المشروع وتعميق له، فقد سبق أن قارب المناظرات والخطاب السياسي العربي، و السرد الطويل، وهو اليوم يقارب أشكالا أخرى من الخطاب العربي القديم والحديث هي الخطاب القرآني و الخطاب السياسي الأموي والخطاب الشعري والخطاب القصصي. ولن أقوم بتلخيص ما قام به لأن تلخيص كتاب لا يغني عن قراءة الكتاب، وإنما سأثير مجموعة من التساؤلات التي تبادرت إلى ذهني وأنا أقرأ هذا الكتاب لتكون موضوع كتابات أخرى مستقبلية، وموضوع نقاش مستفيض بين الزميل عبد اللطيف عادل و من شرفنا بالحضور في هذه الأمسية المباركة .

قراءة في كتاب نظريات الاستعارة في البلاغة الغربية لعبد العزيز لحويدق


 



    لا يهدي النقاد والكتاب كتبهم وعصارة أفكارهم إلى غيرهم لتوضع في رفوف المكتبات أو لتزين بها الصالات، وإنما لتقرأ وتضيف إلى معارفنا قيمة مضافة. ومن عادتي أن أهتم بهدايا زملائي وأصدقائي العلمية و الأدبية. وخير رد على هدية كتاب يهدى إليك قراءته وإنتاج معرفة به. و بدل من أن يوضع في الرف يوضع في سياقه الثقافي والمعرفي . وقد أهداني الزميل العزيز و الباحث المثابر السي عبد العزيز لحويدق مشكورا كتابه القيم هذا الذي نحتفي به اليوم "نظريات الاستعارة في البلاغة الغربية من أرسطو إلى لايكوف وجونسون" منذ صدوره. وأشكر جزيل الشكر المسؤولين في وزارة الثقافة الذين أتاحوا لي هذه الفرصة للاحتفاء بهذا الكتاب وإثارة النقاش حول قضاياه .

الاثنين، 1 مايو 2017

المعتمد ومملكة الشعر مع قراءة في قصيدته قبر الغريب



      
                                  

       

 
       
جميل جدا أن نحتفل بالشعر، جميل جدا أن نبني مملكة لا تحدها حدود طبيعية أو عرقية أو عقدية، مبدأها الحرية في بعدها الوجودي، والإنسانية في بعدها الشمولي، والغنائية في بعده الإيقاعي.  مملكة تنتصر على الزمن، إذا أشرقت شمسها لا يلحقها الأفول كشموس باقي المماليك.

الجمعة، 6 يناير 2017

اللقاء الذي نظم احتفاء بالباحث الأكاديمي مصطفى القباج في كلية اللغة العربية . يوم الجمعة 15 يونيو 2016


                         
كلمة الكلية 

     السادة الأفاضل: في البداية أنقل إليكم تحيات السيد العميد الأستاذ محمد أزهري ونائبه في البحث العلمي والتعاون الأستاذ مولاي المامون المريني و اعتذارهما لكم عن الغياب عن هذا اللقاء لأسباب قاهرة . فباسمهما معا  وباسمي الشخصي وباسم السادة الأساتذة والموظفين والطلبة،  يسعد كلية اللغة العربية أن تحتفي اليوم مع الفرع الجهوي لاتحاد كتاب المغرب  بأحد الأكاديميين المغاربة الذين راكموا إسهامات متعددة و متنوعة في حقول الفكر والأدب والفلسفة  وعلوم التربية و النقد المنفتح على المسرح والسينما و  انخرطوا في منظمات المجتمع المدني وانشغلوا بالبحث عن الإجابة عن الأسئلة الراهنة التي تؤرق بال المجتمعات العربية الإسلامية عامة و المجتمع المغربي خاصة  الدكتور مصطفى القباج. ولم يكن ذلك بالأمر الغريب عن هذه الكلية واهتماماتها فهي وريثة جامعة ابن يوسف التاريخية التي ضمت خيرة علماء هذه المدينة  العامرة  بل ودرس بها أساتذة وباحثون مغاربة وأجانب ساهموا في تكوين أجيال من الأساتذة الذين تحملوا وما زالوا يتحملون مسؤولياتهم التربوية في مختلف ربوع هذا الوطن .

و إذ تحتفي اليوم بالأستاذ الباحث الدكتور مصطفى القباج تسعى إلى أن تواصل رسالتها التاريخية النبيلة، وفي الآن نفسه تنفتح على فكر تنويري  لا يرى الأصالة في فكر محافظ تقليدي يجتر الماضي ويعيد إنتاجه، كما لا يرى الحداثة في فكر يعلن القطائع تلو القطائع مع الماضي و الواقع ويرتمي في أحضان فكر مستلب ، وإنما يسعى إلى بناء فكر حداثي منبثق من داخل المجتمع الذي نعيش فيه بهويته الثقافية الكونية  المتنوعة،  وفكره الإسلامي المتنور بمدارسه المختلفة وأنساقه الفلسفية المتنوعة ، ويؤمن بثورة تربوية تجعل من أهداف المدرسة المغربية بكل أسلاكها تكوين عقل الإنسان ليصير في مستقبله صاحب القرار في اختياراته متشبعا بالحوار في علاقاته، و تصبح الديموقراطية جزءا من سلوكه اليومي في البيت والشارع والعمل قبل أن تكون في السياسة.
   إن ما يؤمن به الأستاذ الباحث الدكتور مصطفى القباج هو ما نؤمن به جميعا، وشغلنا الشاغل هو البحث عن السبل والطرق التي توصلنا إليه في عصر تقاطعت فيه كل الطرق وتشابهت، وتعددت القبلات التي نصلي عليها أفرادا وجماعات و تنوعت، ولم يعد للمثقف ولا للجامعة ذلك الهم الذي أرقهما خلال عقود سابقة من القرن الماضي، فانطوى  المثقف  و انعزل في أبراجه واشتغل بهمومه الحياتية الروتينية بعيدا عن هموم هذا الوطن الثقافية  و أسئلته المستقبلية .
     إننا إذ نحتفي اليوم بالسي مصطفى نسعى إلى نعرف طلبتنا بنموذج الأستاذ والباحث والمثقف الذي تتلمذنا على يديه، ونريد استنبات نموذج فكره في عقولهم حتى يسيروا غدا على فكره ونهجه في الانشغال بأسئلة المجتمع الفكرية الحارقة في مختلف الحقول المعرفية  الفلسفية والإبداعية و النقدية و الفنية.
   وفي الختام لا يسعنا في كلية اللغة العربية إلا أن نشكر الفرع الجهوي لاتحاد كتاب المغرب الذي اقترح علينا الاحتفاء بمجموعة من المفكرين والمثقفين الذين أسهموا في بناء الجامعة المغربية، وما زالوا يسهمون في بناء ثقافة هذا البلد. وستظل كلية اللغة العربية دائما وأبدا إن شاء الله منبرا مفتوحا على كل الطاقات الثقافية الخيرة في هذا الوطن،  ويكفينا فخرا أن يكون حاضرا عندنا اليوم هذا الحضور النوعي المتميز الذي مازال ممسكا بحبل الثقافة الحارق.

نتمنى لأستاذنا السي مصطفى الصحة والعافية وطول العمر حتى يرى أفكاره وآراءه تتحقق على أرض الواقع ويطمئن على مستقبل هذا البلد الأمين و على مستقبل مواطنيه .

الجمعة، 3 يونيو 2016

شعرية التجربة في "سراج الأرق" لاسماعيل زويريق



        الشعر في بدايته ومنتهاه تجربة فردانية خاصة يعيشها الشاعر ويرتقى بها بواسطة الكتابة إلى مستوى التجربة الإنسانية، ويصوغها صياغة فنية تشد إليها أذنَ القارئ وقلبه قبل عقله، وتجعله يعيش التجربة التي عاشها الشاعر بطريقته الخاصة.
     وديوان سراج الأرق من الدواوين التي اكتسبت شعريتها من تجربتها الخاصة جدا. تجربة عاشها الشاعر لحظة لحظة. تجربة فقدان ابنه الشاب عدنان زويرق .